التعديل التشريعي للطلاق اللفظي يثير جدلا في مصر
الشيخ أحمد كريمة: الطلاق الشفهي بالقول .. الأصل في الشريعة الاسلامية
ومفتي الجمهورية: الطلاق الشفهي يحتاج الى تعديل تشريعي
القاهرة – كل الناس:
أعلن الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية والفقه المقارن بجامعة الأزهر، إن الطلاق الشفهي بالقول هو الأصل في الشريعة الإسلامية، أن التوثيق لا يلغي الطلاق القولي، واعتماد الطلاق الموثق فقط هو أمر مرفوض شرعًا؛ لأنه يهدد أصول التشريع الإسلامي”.
وأضاف «كريمة»، في مداخلة هاتفية لبرنامج «ساعة من مصر»، المذاع على فضائية «الغد»، أن العقود الشرعية تنعقد بالصيغة والألفاظ والعبارات الدالة على الإرادة، مؤكدًا أن التوثيق هو مجرد عمل إجرائي إداري لمجرد حفظ الحقوق.
وتابع: “الأمة منذ عهد الرسول تجري الطلاق القولي، أما الطلاق الموثق أمام المأذون أو القاضي الشرعي هو مجرد حفظ للحقوق، والمطالبة باعتماد الطلاق الموثق فقط، لا يوافق عليه أي فقيه يخاف الله، ويتبع الرسول صلى الله عليه وسلم”.
وأضاف: “يوجد خلط في الأوراق، فهناك فرقًا بين حلف الطلاق وإيقاع الطلاق، وهناك فرقًا بين طلاق الناسي وطلاق المكره وطلاق الخاطئ وطلاق الهازل، والمشكلة لا بد لها من تأصيل فقهي سليم، فقد أكد الإمام علي بن أبي طالب والإمام أبو حنيفة على أن صيغة (عليا الطلاق) لا تقع ولا تجوز شرعًا للحد من التلفظ بها”.
وأردف: “أما إذا عزم شخص بقلبه وتلفظ بلسانه فالطلاق يقع في هذه الحالة شرعًا”، مؤكدًا أن لجنة الإفتاء بالأزهر الشريف ودار الإفناء المصرية ينظران في الحالات التي وقع فيها الطلاق، ويبحثان في الحالة النفسية والمزاجية للرجل عند تلفظه بالطلاق؛ لإيجاد حل لأي طلاق مشكوك فيه.
وأوضح أن “المأذون لن يهمه سوى تحصيل الرسوم وأخذ الأتعاب، ثم تحرير المحضر الرسمي، أما دار الإفتاء والأزهر الشريف يعملان في هذ الأمر منذ 1000 عام، وقد يجدان حلًا للطلاق، مثل نسيان الرجل أو أن الصيغة التي تلفظ به لا تؤدي إلى الطلاق، أو أن الزوج مريض بمرض مزمن أو نفسي”.
من جانبه قال كشف الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية أن أغلب حالات الطلاق خاصة في سنوات الزواج الأولى تنحصر في أن الزوجين ليسا مدركين للحقوق الزوجية التي لهما والواجبات التي عليهما، وأنهما قد لا يدركان المسئولية الملقاه على عاتقهما.
وأشار المفتي إلى أهمية بحث مسألة الطلاق الشفهي والحاجة إلى تعديل تشريعي ليقوم مجلس النواب بالتحقق من المصالح والمفاسد المترتبة عن هذا الأمر إضافة إلى أهمية تدخل علماء الاجتماع ومراكز الأبحاث وعلماء الشريعة للإدلاء بدلوهم في هذه الظاهرة وإيجاد حلول لها.
وقال الدكتور شوقي علام – في تصريح تلفزيوني – إنه بالنظر في الوضع القانوني القائم فإن قانون الأحوال الشخصية الموجود والتطبيق القضائي والإفتائي لا يساعد أبدا على أن نقول إن الطلاق إذا صدر من الزوج ولم يوثقه بأنه لا يقع، ولكن بعد التحقيق والتحري إذا رأينا بأن هذا الطلاق هو واقع لا محالة فنفتي حينها بأن هذا الطلاق واقع، ونطالب السائل أن يوثقه عند المأذون، مشيرا إلى أن القانون المصري يلزم الزوج بتوثيق ذلك الطلاق الذي أوقعه خلال 30 يوما وإلا وقع تحت طائلة القانون.
وأوضح فضيلة المفتي أن التطبيق القضائي يقول إن الطلاق الشفوي يقع إذا تحقق ذلك وثبت لدى القاضي ذلك بدليل من أدلة الإثبات فإنه يقضي بوقوع الطلاق، فنحن أمام قانون يلزم القضاء بالتحقيق في المسألة ولا يوقف وقوع الطلاق على أن يوثق.
ولفت إلى الدورات التي تنظمها دار الإفتاء للمقبلين على الزواج حيث تم تنفيذ 3 دورات وسيتم البدء في الدورة الرابعة خلال أيام حيث تستعين الدار فيها بعلماء نفس واجتماع وعلماء الشريعة وغيرهم من أجل إعداد الأزواج والزوجات لتحمل المسئولية.
وطالب المفتي بتغيير ثقافة العلاقات الزوجية بين الرجل والمرأة لتكون علاقة طيبة وتسودها المسئولية وأن يؤسسان لمجتمع مصغر ينتج مجتمعا أكبر بعد ذلك.
وأوضح أن عقد الزواج يوجد بيقين وذلك بحضور الأهل والمأذون والشهود والناس، وهذا العقد لا يرفع إلا بيقين أيضا بمعنى أنه يجب أن نتيقن أن هذا الزوج قد تلفظ بالطلاق وهو قاصدا إنهاء العلاقة الزوجية بلفظ ونيه صريحة، ولذلك لا نجيب في دار الإفتاء المصرية عن مسائل الطلاق إلا بحضور الزوج إلى الدار للتحقق من أن هذا الزوج بالفعل قد قصد الطلاق.
وأشار إلى أنه وفقا للإحصاءات فإنه يعرض على دار الإفتاء ما يقرب من 3200 فتوى تقريبا في الشهر فيما يخص مسائل الطلاق، وبعد التحقيق الرصين والدقيق ننتهي إلى أن الذي يقع من هذا العدد ما يقرب من ثلاث حالات فقط.
ووجه المفتي نصيحة للأزواج بعدم التسرع في النطق بلفظ الطلاق وألا تكون هذه الكلمة جارية على ألسنتهم باستمرار، لأن هذه الكلمة وضعت كحل لمشكلات زوجية يصعب معها الاستمرار في الحياة الزوجية وليس لكل المشكلات والخلافات العابرة .. واستنكر إقحام كلمة الطلاق في تعاملات الناس والمعاملات التجارية من بيع وشراء وغيرها، وهو أمر غير مقبول.
وأكد أن المذاهب الإسلامية واختلاف العلماء رحمة بالأمة، وهو ظاهرة إيجابية لأن هذا الاختلاف الفقهي له ما يبرره شرعيا وعلميا.
وأضاف أن التعامل مع التراث يحتاج إلى عقلية كبيرة، فليس كل ما يقوله العلماء نستطيع أن نستجلبه من الماضي، موضحا أن هناك الكثير من القضايا قد تغير الحكم فيها عن الماضي ولابد من العقل الذي يتعامل مع التراث أن ينظر إلى تطور العصور والمجتمعات والواقع ومشكلات الناس المعقدة، فتنطلق نظرته من النص الشرعي بفهم العلماء القدامى بأصولهم ومناهجهم دون الوقوف على تفريعاتهم حتى نصل إلى حل يوافق الواقع الذي نعيشه.
وأشار إلى أن هناك ظروفا معينة قد تستدعي الأخذ من مذهب معين، ولكن في نفس الوقت الشريعة قائمة على التيسير ورعاية مصالح الناس، ومن ثم فإنه يجوز الأخذ بأي قول معتبر من أقوال وآراء العلماء والمذاهب الفقهية المختلفة، بما ييسر على الناس أمور دينهم ودنياهم ما دامت تتصل بالأدلة الشرعية.
وعن كيفية التعامل مع هذه الثروة الفقهية الكبيرة قال المفتي إنه عند التعامل مع التراث الفقهي لابد من إيجاد ضوابط علمية وإعمال للعقل العلمي المجرد المنضبط بقواعد علمية وأصول وضعها العلماء، فالشرع لا يلزم بالأخذ برأي بعينه طالما أن هناك خلافا بين العلماء، وكل العلماء لم يلزموا الناس باتباع مذاهبهم وآرائهم فقط دون غيرهم.
وأضاف أن دار الإفتاء المصرية تتبنى فكرة الاختيار الفقهي بما يحقق مصالح الناس، فنقوم بالنظر في الواقع الذي نعيشه ونختار قولا من أقوال أهل العلم المعتبرين ويتوافق مع الواقع المعيش .. موضحا كذلك أن التراث الفقهي ليس مقدسا، ولكنه في نفس الوقت نتاج عقل علمي منضبط في إطار الاجتهاد، مستنكرا دعوات البعض من غير العلماء أو من هم في بداية طلب العلم بترك التراث أو الاستغناء كليا عنه.
ولفت المفتي إلى أنه يجب ترك كل مجتمع على ما استقروا عليه من رأي أو مذهب فقهي ارتضوه ما دام متوافقا مع الشرع الشريف.
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد دعا خلال حضوره احتفالية عيد الشرطة، الثلاثاء الماضي، لإصدار تشريع يجعل الطلاق لا يتم إلا أمام مأذون؛ منعًا لتفكك الأسرة المصرية، وخاصة بعد ارتفاع نسب الطلاق خلال السنوات الماضية.