جعلونى كاذباً

نجوى ابراهيم

كلنا نحمل فى رؤوسنا أسئلة يمكننا وصفها بالساذجة، الجريئة، البسيطة، وأحيانا المفخخة.

ومن هذه الأخيرة سؤالاً قد يبدو بسيطاً ولكنه مفخخ بحقيقة قد لا تقدر أنت شخصياً على معرفتها وانت السائل عنها

والسؤال يقول: لماذا كذبت؟

قابلت كثيراً من الكاذبين، منهم من يكذب عمداً مع سبق الاصرار والترصد، منهم من ينطبق عليه قولاً وفعلاً قول الشريف العقيلي: “لا يكذب المرء إلا من مهانته أو عادة السوء أو قلة الأدب”..وهم فى الواقع قد أبدوا من قلة الأدب والسوء قدراً لا بأس به!

قابلت امرأة تكذب بشأن كل شيء، تقول مثلاً أن علاقتها بمديرها سيئة، هذا الرجل القاسي يهينها دائماً  فتضطر للكذب عليه، وهو مبرر قد تقبله بعض العقول ولكنى أعلم أنها لم تكن تتعرض للمهانة بل هي تكذب من باب قلة الأدب فحسب.

لماذا قلت بعض العقول؟

لأن البعض الآخر يرى أنه لا عيب فى أن تواجه – بدلاً من الكذب- من يهينك وتوقفه عند حده  طالما أنه ليس بجهة سياسية عُلْيا تضطر للكذب عليها بشأن موقفك السياسي ، أو أن الأمر لا يتعلق بامرأة و شأن قميص زوجها الأبيض الذى خرُب، فتكذب عليه حين تقول أن دلواً من السماء انسكب عليه بسائل أزرق فأحال لونه للون ملابس السجناء الذين لم يكذبوا هرباً من اعتقال سياسي!

 

تلك المرأة كانت تكذب دائماً وتحلف دائماً فكنت أسألها سؤال العظيم شكسبير: “اذا كنتِ صادقة فلماذا تحلفين؟! ”

وجوابها الكاذب لا يتغير: لأنى لا أكذب!

 

قرأت كتاباً لصديق له فلسفته الخاصة فى كل شيء؛ ذكر على لسان أحد أبطاله إجابة عن سؤالي: لماذا كذبت؟

والجواب كان لسبب من ثلاثة يدفعنا أحدها للكذب بأريحية؛ برر الكاتب للكاذب فعلته ادعاءً للمثالية، أو هرباً و خوفاً من بطش احدهم كخوف طفل من عقوبة أمه، أو تخليداً للمبدأ..نعم؛ فهناك من يحملون على عاتقهم مهمة عدم إخلاء الكون من الكاذبين فيكذبون هم حاملين عنا الوزر كفرض كفاية.

 

كم تمنيت أن أقابل الكاتب لأخبره أن لى إضافة قد تفيد و سؤالاً أرجو له جواباً.

أما الإضافة فهى أن البعض قد يكذب ليقول:”أنا هنا”!

تماماً مثلما فعلت ابنتى حين وضعت ابنى الثاني، ظللت أعيش معها  – لشهور – فى وهم أنها تتعرض لعقاب مدرسي بشكل يومي، حتى قابلت استاذتها وعرفت أنها من أمهر الطالبات فى المدرسة وأنه لا يوجد شكوى منها غير أن الفتيات يتسابقن على صداقتها وهى من ترفض وتدلل عليهن.

وأما السؤال الذى أود أن أوجهه للكاتب فهو:” ولأى هذه الأسباب تكذب أنت؟”

اتصور أن الكاتب لن يقول الحقيقة بشأن هذا السؤال، سيخبرني أنه لا يكذب من الأساس ولكن الحقيقة – كما اتصورها –  أنه لا يريد أن يخلع ثوب المثالية أبداً فيكذب ليدارى نقصه الانساني الطبيعي ، ويخشى أن يبلى عليه ثوب الفضيلة فيقف عارياً فى مواجهة عالم خبيث ملئ بالكاذبين فيكون بينهم ممثلا ً لشذوذ القاعدة.

الحقيقة…أنه لا أحد منا لا يكذب؛ رغم أن الكذب يحتاج لبعض الشجاعة الذى صار يفقدها سكان عالمنا الحاليين ..شجاعة أن تنظر فى عين محدثك وتتلو عليه كذباً ينطلى عليه ،ثم تلتف ضاحكاً مصدقاً ما قلته للتو!

ولكن أبشعنا خلقاً هو من يكذب على الله، فإن فعلتها فاعرف أنك قد ألقيت بنفسك فى غيابت جب الرذيلة، وأنك لم تعد كاذباً فحسب بل انت ساديٌ وقح ،بحيث تملك من الجرأة التى تصل حد الوقاحة أن تكذب على الله وتلقى بنفسك الى تهلكة عذاب لا طاقة لك به ولكن ذاتك السادية تسعى إليه بجهلٍ شديد.

 

فاحرص إن اضطرت للكذب ألا تضر أحداً بكذبك ولا تضر نفسك كذلك..ولا تكن شنيعاً فاجراً فى كذبك.

وإن سألت أحدهم لماذا كذب؛ فاعلم أنك قد تسمع مالا يرضيك..فقد تكون ممن يضطرون الناس للكذب ،و قد تكون سيء الخلق، كافر بالعشير فتدفع من أمامك دفعاً لادعاء خلقاً لا يملكه فقط ليرضيك ويثبت لك طاعة مكذوبة.

وإن كذبت فعلى الأقل سل نفسك: لماذا كذبت


بقلم نجوى ابراهيم

مبادرة الكاتبة مروة الصعيدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى